
زينب حمود - صحيفة الاخبار اللبنانية
سُجّل غياب شبه تام للناخب المعوّق عن الجولة الأولى من الانتخابات البلدية والاختيارية في محافظة جبل لبنان الأحد الماضي، وفق ما لاحظت رئيسة «الاتحاد اللبناني للأشخاص المعوّقين حركياً» سيلفانا اللقيس، وما أظهرته جولة «الأخبار» على مراكز الاقتراع، من دون أن يتّضح سبب الانكفاء عن الاقتراع، وهل هو غياب الحماسة والمنافسة اللتين تُرجمتا في نسب اقتراع منخفضة عموماً، أم هناك دوافع خاصة بفئة المعوّقين تتعلق بالصور التي انطبعت في أذهانهم عن حمل المعوّق للوصول إلى قلم الاقتراع والعوائق المختلفة التي تحول دون المشاركة في الانتخابات بكرامة.
في المقابل، ورغم ضعف المشاركة والانتهاكات التي تعرّض لها المقترعون المعوّقون وسجّلتها حملة «حقّي» لتطبيق الحقوق السياسية للأشخاص المعوّقين، يمكن الحديث عن تقدّم على طريق انتخابات دامجة على صعيد السياسات العامة.
فأخيراً اتُّخذ القرار بنقل أقلام الاقتراع للأشخاص المعوّقين إلى الطوابق الأرضية، بعدما أفرجت وزارة الشؤون الاجتماعية عن بيانات 93 ألف ناخب معوّق (الاسم الثلاثي ومكان القيد ورقم السجلّ والطّائفة) وسلّمتها لوزارة الداخلية والبلديات.
القرار الذي تأخّر اتخاذه بسبب رفض وزراء الشؤون المتعاقبين تسليم البيانات للحفاظ على الخصوصية، دخل حيّز التنفيذ في عدد من مراكز الاقتراع في محافظة جبل لبنان، «ففي جبيل- عمشيت مثلاً نُقلت الأقلام في 5 مراكز من أصل 6»، بحسب اللقيس التي تتوقّع أن «تشهد الجولات المقبلة نقل عدد أكبر من الأقلام إلى الطوابق السفلية، نظراً إلى عامل الوقت، فاختلاف نظام حفظ البيانات وطريقة التعامل معها بين وزارتَي الشؤون والداخلية يتطلبان وقتاً لتعميم القرار في الجولة الأولى». لكنّ «وزارة الداخلية لم تعمّم هذا القرار على الناخبين المعوّقين بعد لتشجيعهم على الاقتراع»، وهو ما تجده اللقيس أحد أسباب تراجع نسبة المشاركة.
ونقل أقلام الاقتراع إلى الطوابق الأرضية سيساعد ذوي الإعاقات الحركية بشكل أساسي على الوصول بسهولة إلى صناديق الاقتراع، لكن ماذا عن باقي الإعاقات؟ تجيب اللقيس بأنّ «نقل الأقلام يساعد ذوي الإعاقات المختلفة، فحتّى الصمّ والمكفوفون تُعدّ مشاركتهم متعبة في ظلّ الفوضى والضجيج والازدحام وغياب التوجيه والتنقّل بين الطوابق خلافاً لما هو الوضع عندما يقصدون الطابق الأرضي مباشرة، غير أنّ بعض الإعاقات تحدّ من القدرة على استخدام السلالم مثل ذوي متلازمة داون». طبعاً نقل الأقلام وحده لا يكفي، وقد «طرحنا توزيع لوائح مطبوعة بلغة البريل، وقدّمنا نموذجاً لها، لكنّ الناشطين في مجال الإعاقة البصرية رأوا أنّ هذا سيؤدي إلى عدم تكافؤ الفرص بين فئة تجيد استخدام لغة البريل، وأخرى لا تجيدها». وعليه «أكّدنا على حقّ الشخص المعوّق في الاستعانة بمساعد يختاره، وطبعاً تقع خروقات في بعض المراكز حيث يمنع رؤساء الأقلام دخول مساعد مع الشخص المعوّق».
ثانياً، «برز في انتخابات الأحد الماضي انتشار فرق الدفاع المدني على أبواب مراكز الاقتراع وداخلها، والاستجابة للحالات الطارئة والتدخل عندما يأتي ناخب مسنّ أو مريض أو معوّق بحاجة إلى مساعدة، وهي خطوة مهمة تحقّق إشراك فئة واسعة في الانتخابات.
ثالثاً، «للمرة الأولى يُسمح لنا بتدريب 4 مجموعات، على صعيد القائمّقامية، على التعامل مع الناخبين المعوّقين، وتكرّر السؤال حول ما إذا كان للمكفوف حق الترشح للانتخابات، فشرحنا من الناحية النظرية كيف يكفل الدستور والقانون حقّه في الاقتراع والترشح، وعملياً تناقشنا في البرامج الحديثة المجانية التي يمكن أن يستخدمها رئيس البلدية أو عضو المجلس البلدي أو المختار المعوّق للقيام بواجباته»، كما تقول اللقيس. وفعلاً، برز تقدّم في الاستحقاق الانتخابي، وهو اتّساع قاعدة المرشحين والمرشحات المعوّقين/ات للانتخابات البلدية والاختيارية. فقد فازت آمال شعيا (كفيفة)، مثلاً، في الانتخابات البلدية في دقّون في قضاء عاليه، ومرشح آخر (مُقعد) في الشوف. كما ترشّحت زينب عثمان (معوّقة جسدياً) في انتخابات بعلبك، وتخوض أمل الشريف وصفاء سكرية (مُقعدتان) المعركة الانتخابية في بيروت، وسط ضغوط ومضايقات يتعرّض لها أغلبهم لسحب ترشّحهم.
ولحسم الجدل الذي يُطرح في كل دورة انتخابية عن أهلية المرشحين المعوّقين للإدارة والتخطيط وتسيير الشؤون العامة، فإن جميع المعوّقين يتمتعون بحق المشاركة السياسية، انتخاباً وترشحاً على قدم المساواة مع سائر المواطنين، بمن فيهم ذوو الإعاقات الذهنية، باستثناء المحجور عليهم صحياً في المصحّات، وفق ما نصّ عليه الدستور اللبناني، والقانون المتعلق بحقوق الأشخاص المعوّقين رقم 220/2000، والاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص المعوّقين التي وقّع عليها لبنان أخيراً. هذه الحجج القانونية تؤكّد ضرورة اتّخاذ التدابير اللازمة لتسهيل مشاركة المعوّقين في الانتخابات، من تسهيل وصولهم إلى مراكز الاقتراع، وتجهيز المراكز، وخلق بيئة داعمة عبر إشراكهم في الأحزاب والمنظمات، وتشجيع تمثيلهم لضمان صوتهم في صنع القرار السياسي والاجتماعي.
وأخيراً، أظهرت الجولة الأولى للانتخابات البلدية والاختيارية «دعسة» أولى في سبيل انتخابات دامجة، لكنها متأخرة، وتنقصها «دعسات» أخرى على صعيد التجهيزات، وإزالة العوائق الهندسية، وتدريب الفرق المشرفة على العملية الانتخابية من عناصر الأمن إلى رؤساء الأقلام وصولاً إلى المندوبين. غير أنّ زيادة وعي المعوقين بحقهم في الترشح تنقصها زيادة الوعي الاجتماعي لتقبّل هذه الفئة والإيمان بقدراتها ودعم ترشّحها.
تاريخ النشر:2025-05-09