أحمد بهجة - صحيفة البناء اللبنانية

بداية نردّد مع دولة الرئيس نبيه بري «أنّ أهالي جنوب لبنان هم مسك الختام في كلّ الاستحقاقات وفي التضحية والبذل والشهادة والحياة والانتصار والقيامة».

والآن، بعد اكتمال العقد وانتهاء جولات الانتخابات البلدية والاختيارية، وهذا استحقاق أساسي في الحياة الوطنية وإنجاز مهمّ جداً يُسجَّل للعهد ورئيسه العماد جوزاف عون وللحكومة ووزير الداخلية وكلّ الأجهزة الإدارية والقضائية والعسكرية والأمنية التي بذلت الجهود المضنية لإتمام العمليات الانتخابية في كلّ المحافظات.

ومع توالي انتخاب رؤساء البلديات ونوابهم، لا بدّ أن تنطلق المجالس الجديدة إلى العمل، خاصة أنّ أمامها جميعها تحديات كبيرة جداً، لا سيما أنّ الحاجات كبيرة جداً لأنّ البلديات السابقة كانت في غالبيتها الكبرى قد أصبحت مترهّلة أو منحلّة، بعد مضيّ تسع سنوات على انتخابها وبعدما حصل ما حصل من انهيارات اقتصادية ومالية في البلد، وتحديداً بعد الانهيار الكبير في تشرين الأول 2019.

والمعروف أنّ للبلديات دوراً أساسياً في عملية التنمية على الصعيد المحلي، وإذا أخذنا بعين الاعتبار أنّ معظم النشاط الاقتصادي. الصناعي والزراعي والتجاري والسياحي والخدماتي. يدخل في إطار ما يسمّى المشاريع الصغيرة والمتوسطة، عندها ندرك أكثر أهمية دور البلديات في رعاية هذا الأمر ودعمه والسعي لتطويره. نظراً للصلاحيات الواسعة التي يمنحها القانون للبلديات في هذا المجال.

طبعاً الإمكانيات المتوفرة للبلديات في هذه الفترة قليلة جداً، نظراً للوضع الاقتصادي المتردّي في البلد ووضع الخزينة العامة التي بالكاد يمكنها القيام بأعباء تشغيل الدولة ودفع الرواتب وبعض الالتزامات الأخرى.

لكن رغم كلّ ذلك تستطيع البلديات القيام ببعض الإنجازات من خلال المبادرات المحلية والاستعانة بالمغتربين، كما رأينا في الكثير من النشاطات والمشاريع التي شهدتها مختلف المناطق اللبنانية، خاصة أننا على أبواب موسم الاصطياف، وهو موسم واعد سواء من حيث أعداد الوافدين من المغتربين اللبنانيين أو من الزوار والسياح وخاصة الأشقاء العرب الذين رفعت دولهم حظر السفر إلى لبنان، رغم ما قالته المبعوثة الأميركية مورغان أورتاغوس التي أشاعت من الدوحة أخباراً غير إيجابية عن لبنان وادّعت أنّ المطاعم والمقاهي في لبنان موجودة إلى جانب مخازن الصواريخ الباليستية، وهذا طبعاً غير صحيح على الإطلاق، علماً أنّ من يؤثر على السياحة بشكل خاص وعلى الاستقرار اللبناني عموماً هو استمرار الاعتداءات الإسرائيلية ضدّ لبنان، وهذا ما يجب أن يكون موضع اهتمام أورتاغوس وإدارتها كونها هي الراعية لاتفاق وقف إطلاق النار الذي يلتزم به لبنان (دولة ومقاومة) بشكل كلي وكامل.

وفي الحديث عن البلديات هناك نقطة لا بدّ من الإشارة إليها وهي المتعلقة بموضوع التمثيل الطائفي والمذهبي، وتحديداً في بلدية بيروت. ذلك أنّ القانون الذي يرعى عملية الانتخابات البلدية والاختيارية هو قانون متقدّم جداً لأنه لا ينص على التمثيل الطائفي والمذهبي، وهذه نقطة ضوء تبعث على التفاؤل في المستقبل، لأننا يجب أن ننطلق من هذه النقطة لنتقدّم إلى الأمام ونضيف إليها نقاطاً أخرى وليس أن نتراجع إلى الخلف ونزيد الأمور تعقيداً أكثر مما هي معقدة.

لقد آن الأوان لكي نركّز حديثنا فعلياً على التنمية وأن لا ينحصر هذا الأمر في الإطار الكلامي والانتخابي، بل يجب أن ينعكس عملاً وإنتاجاً في كلّ القطاعات. إذ انّ ما يهمّ المواطن هو عمل المجالس البلدية وإنجازاتها ومشاريعها وليس طوائف ومذاهب أعضائها.

وإذا كانت هناك هواجس معينة لدى البعض، وخاصة الاخوة المسيحيين، يمكن معالجة هذه الهواجس بوسائل متقدّمة أيضاً وليس بالعودة إلى الوراء، كأن نجعل بيروت مثل باريس، فيها مجموعة بلديات صغيرة على مستوى الأحياء وتجتمع كلها في البلدية الأمّ التي تمثل الجميع وتكون هي المرجعية للجميع، وهذا الأمر يمكن تحقيقه من دون أن نُدخلَ إلى القانون السمّ الطائفي والمذهبي القاتل.

ثم أنّ المحاسبة والمساءلة أهمّ من كلّ ذلك، ألم تكن المناصفة مؤمّنة في المجالس البلدية السابقة في بيروت، ورغم هذا «الإنجاز العظيم» تبخّرت الأموال بطريقة عجيبة، ليس فقط بسبب تراجع قيمة العملة الوطنية بل طبعاً هناك أسباب أخرى. وهنا نحن نطرح الأسئلة أما الأجوبة فإننا ننتظرها من المسؤولين ومن القضاء أيضاً. خاصة أنّ صندوق بلدية بيروت كان يحتوي على أكثر من ملياري دولار في السنوات الماضية.

في كلّ الأحوال، نتأمّل خيراً في المرحلة المقبلة، خاصة بوجود عدد كبير من رؤساء وأعضاء المجالس البلدية ممن لديهم الإمكانيات والعلاقات والقدرة على التأثير، وأيضاً بما لدى المجالس الجديدة من دعم سياسي وحزبي وشعبي، وهذا ظهر واضحاً في الانتخابات. ولا شكّ أنّ كلّ هذه المميّزات إذا جرى توظيفها لمصلحة العمل البلدي الإنمائي فإنّ الإنجازات آتية لا محال. مهما كانت الضغوط والمعوقات والموانع الداخلية والخارجية التي تستهدف فرض شروط على البلد لم تتحقق في الحرب ولن تتحقق في السلم بكلّ تأكيد.

وكما قال الأمين العام لحزب الله سماحة الشيخ نعيم قاسم فـ «إنّ قرارنا سيبقى مستقراً، فلنقِف بجرأة وسيركض وراءنا الآخرون».