
راجانا حمية - صحيفة الاخبار اللبنانية
بين ثلاث بلديات، تتوزّع أزقّة حي السلّم القائم على أطراف الضاحية الجنوبية لبيروت. مذ عادت البلديات إلى العمل عقب سنوات طويلة من الحرب الأهلية، دُمج الحيّ الذي لم يكن موجوداً سابقاً ببلديات الشويفات (لها الحصّة الأكبر) والمريجة والحدث، لوقوعه عقارياً على أراضٍ تابعة للبلدات الثلاث التي تخلّت عن «أبوة» الحي وقطعت «صلة الرحم» به، ما أدى إلى أزمة مزمنة بينها وبين هذا «الكيان» الذي اعتاد سكانه غياب البلديات عن إدارة شؤون هذه الكيلومترات الثلاثة وإسقاطها من حساباتها، اللهم إلا إرسال عمّال لتسكير حفرة أو إصلاح قسطل مياه للصرف الصحي، وهو ما لا يحدث إلا عندما تصبح المشكلة أكبر من قدرة السكّان على حلّها، وبعد اتصالات على مستوى عالٍ يتولاها حزب الله أو حركة أمل.
اعتياد الناس على غياب البلديات جعلهم أكثر تصالحاً مع أحوالهم، فلا عادوا يكترثون لانقطاع مياه الخدمة التي كانت تأتيهم من الشبكات العمومية، ولا لـ«غرق الزواريب بالمياه الآسنة وتحوّلها مجروراً مفتوحاً على مدار السنة»، بحسب حسان فقيه، ابن الحيّ منذ سبعينيات القرن الماضي، مشيراً إلى أن سكان المنطقة «أصبحوا يواجهون هذه الأزمة المستمرّة بإجراءات عملية، لا تتضمّن حلّ المشكلة وإنما اختراع طرق للتعامل معها».
كان الحيّ «بيّارات» ليمون وزيتون وصبّار، عندما بدأت طلائع السكان بالوصول إليه في خمسينيات القرن الماضي، وبأعداد أكبر في السبعينيات عندما بدأوا بتسييج مساحات وبناء غرف أسّست لما يعرف اليوم بحيّ السلم. تحوّلت البساتين إلى شوارع يحمل كل منها غالباً اسم العائلة التي سكنته، وصار الحي عبارة عن «تجميعة» عائلات أتت من مناطق مختلفة، خصوصاً من الجنوب والبقاع.
ولأن الجزء الأكبر من الحي يقع فوق أرضٍ مملوكة لبلدة الشويفات، ألحق تلقائياً ببلدية الشويفات، فيما ألحق جزء صغير منه ببلدية الحدث، وثالث ببلدية المريجة. غير أن هذا التنوّع لم يكن مصدر غنى، ولم يترجم خدماتٍ على الأرض. وعندما حاول بعض السكّان مع المعنيين استحداث بلدية مستقلّة للحيّ، اصطدموا برفض بلدية الشويفات «خسارة» هذه الأرض، وبإشكالية قانونية. إذ كيف يمكن أن تنشأ بلدية بلا ناخبين، وهو ما يظهر جلياً مع كل استحقاق انتخابي، حيث يفرغ الحي من سكانه الذين يقصدون بلداتهم وقراهم للانتخاب فيها.
يعزو أهالي حي السلم غياب الخدمات البلدية إلى غياب الأصوات الناخبة. ويروي أحد المقيمين أن لجنة تأسست في الحي في سبعينيات القرن الماضي بعدما كثر السكان، «جمعت من كل بيت 300 ليرة وأنشأت شبكة بدائية للصرف الصحي لا تزال قائمة حتى اليوم». أما مياه «شبكة الدولة»، فغائبة تماماً، وكان السكان قديماً يعتمدون على إحدى النواعير للحصول على مياه الخدمة، قبل أن يتبرّع حزب الله بحفر عددٍ من الآبار، فيما تأتي مياه الطبخ والشرب من محال تكرير المياه. والأمر نفسه ينسحب على الإنارة في الشوارع، إذ يعمد كل صاحب محل مثلاً إلى التبرّع بشريط من «اللمبات» لإنارة مدخل محلّه ليلاً والمساحة القريبة منه، فيما «اللمبات» القليلة فوق الأعمدة لا تنير إلا عندما تأتي «كهرباء الشركة»، وهو أمر نادراً ما يحدث.
أقصى ما تقدّمه البلديات الثلاث فتح قسطل أو تسكير حفرة. وهذا القصور عن تقديم الخدمات لا علاقة له بالأزمة المالية، بل يعود إلى زمنٍ طويل. ولذلك، ترك العمل البلدي للأحزاب، وتحديداً حزب الله. ويشير أحد مسؤولي العمل الاجتماعي، «الحاج فضل»، في الحزب إلى أن «95% من الخدمات اليوم يقوم بها اتحاد البلديات في الضاحية الجنوبية»، ويعمل حزب الله على محاولة سدّ النقص في الخدمات التي يقدمها الاتّحاد.
وما دفع الحزب إلى الاستعانة ببلديات الضاحية هو «فيضان» المشكلات البنيوية في الحل، ولا سيّما الصرف الصحّي والمياه، ويشير «الحاج فضل» إلى أنه «منذ ست سنوات تقريباً، يجري العمل على تأمين شبكة للصرف الصحي في الحي، وجرى مدّ أكثر من 5 آلاف متر جرّ من شبكات الصرف، ولكننا لا نزال بحاجة إلى الكثير». والأمر نفسه ينسحب على المياه «حيث عملنا على حفر عدد من الآبار لتقديم مياه الخدمة للحي ونتقاضى بدلات ضئيلة لا تكفي في بعض الأحيان لسدّ الحاجة». كما إن هناك مساعي، عبر الاتّحاد أيضاً، لتأمين الزفت، «فآخر مرّة زفتت فيه شوارع في الحي كانت على أيام الوزير يوسف فنيانوس»، مشيراً إلى أن «هناك زواريب في الحي لم يصلها الزفت منذ نشأته».
هذا أقصى ما يمكن أن يقدمه حزب من خدماتٍ بلدية في حيّ يقيم فيه أكثر من 300 ألف نسمة متروكين لقدرهم وفقرهم، ومحرومين من أبسط الخدمات، رغم توزّعه بين بلديات ثلاث.
تاريخ النشر:2025-05-07