موقع جمعية العمل البلدي - حنان درّة

شكّلت الاتحادات البلدية منذ نشأتها في لبنان مساحة عمل مشترك بين البلديات المتجاورة، بهدف مواجهة التحديات الإنمائية وتنفيذ المشاريع التي تفوق قدرات البلديات منفردة. في هذا السياق، حلّ رئيس اتحاد بلديات بعلبك السابق شفيق شحادة، ضيفًا على برنامج “حكي بلدي” الذي تقدّمه الإعلامية اليسار الحاج يوسف عبر إذاعة النور، فقدّم قراءة شاملة لدور الاتحادات البلدية، واقعها، تحدياتها، وآفاق تطويرها في المرحلة المقبلة.

أوضح شحادة أن الاتحاد البلدي هو صيغة تعاون بين عدد من البلديات، تتشارك من خلالها في وضع رؤية تنموية موحّدة وتنفيذ مشاريع استثمارية وإنمائية ضخمة، غالبًا ما تعجز عنها البلديات الصغيرة بمفردها. يشترط في تشكيل هذه الاتحادات أن تكون البلدات متلاصقة جغرافيًا، بحيث تُمكّن من تنفيذ خطط تنموية متكاملة على نطاق أوسع. 

من أبرز مهام الاتحاد أيضًا إدارة مرافق عامة تخدم نطاقًا جغرافيًا واسعًا، مثل معامل فرز النفايات أو محطات معالجة المياه والصرف الصحي، بالإضافة إلى التنسيق الفني والهندسي والتنظيم المدني بين البلديات، بما يمنع التناقض في المخططات ويوحّد الرؤية التخطيطية.

يُنشأ الاتحاد وفق آلية قانونية واضحة تمرّ عبر وزارة الداخلية والبلديات، وتستند إلى طلب رسمي من ثلاث بلديات أو أكثر، مرفق بقرار مجلس بلدي وخريطة جغرافية ومرسوم تأسيس. بعد استكمال المستندات، يُعرض الملف على وزارة الداخلية التي تبتّ بتشكيل الاتحاد أو إلغائه بمرسوم يصدر عن مجلس الوزراء.

في عمله الإداري، يُلزم الاتحاد بوضع موازنة سنوية وخطة عمل واضحة تشمل مشاريع واستراتيجيات للتنمية. ويضمّ الاتحاد رؤساء البلديات المنضوية ضمنه، مع إمكانية تفويض نائب الرئيس كممثل عن البلدية، وفقًا لقرار موثق صادر عن المجلس البلدي.

وتحدّث شحادة عن تجربته في رئاسة اتحاد بلديات بعلبك، مشيرًا إلى أن الاتحاد كان فاعلًا في مشاريع عدّة، رغم التحديات المالية الكبيرة. وأبرز هذه المشاريع خطة استراتيجية مشتركة وُضعت بالتعاون مع اتحاد بلديات فرنسي للفترة الممتدة بين 2015 و2030، إضافةً إلى خطط سنوية تم تعديلها لاحقًا لمواكبة التطورات الاقتصادية والمالية التي ضربت البلاد بدءًا من عام 2019.

في المجال الخدماتي، يؤدّي الاتحاد دورًا محوريًا في تنسيق المشاريع المشتركة بين البلديات، خاصةً في ظلّ ضعف الموارد المالية التي تعاني منها معظم البلديات. وأكّد شحادة أن المؤسسات الدولية تفضّل عادةً تمويل المشاريع التي تُنفَّذ ضمن اتحادات بلدية، نظرًا لكونها تشمل نطاقًا جغرافيًا أوسع وتقدّم دراسات أشمل وأكثر تنظيمًا.

ورغم أهمية هذا الدور، أشار شحادة إلى غياب إدارة موحّدة للمرافق المشتركة ضمن اتحاد بلديات بعلبك، ما يجعل بعض المشاريع الحيوية، كمعمل فرز النفايات، خاضعة لإدارة بلدية واحدة فقط بدلًا من الاتحاد. واستعرض تجربة اتحاد بلديات الضاحية كنموذج ناجح في هذا المجال، حيث يتمّ تشغيل شرطة موحّدة على نطاق عدّة بلديات، في إطار منظّم وفاعل.

على مستوى التحديات، ركّز شحادة على الأزمة المالية الخانقة التي خفّضت موازنة الاتحاد من مليون و200 ألف دولار سنويًا إلى نحو 20 ألف دولار فقط، تُصرف على دفعات متقطّعة، مما يعيق تنفيذ الكثير من المشاريع. وأكّد أن الاتحاد رغم ذلك استطاع جذب تمويلات دولية تخطّت 7.5 مليون دولار خلال عامين، من خلال شراكات مع جهات مانحة ومؤسسات أممية كبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) وصندوق التنمية الاجتماعية.

من أبرز المشاريع التي نفّذها الاتحاد: مشروع مياه مشترك لخدمة بلدات دورس، عين بورضاي، وجزء من مدينة بعلبك، بكلفة تجاوزت مليوني دولار، ومشروع حماية نهر الليطاني الذي استفاد منه اتحاد بعلبك إلى جانب اتحادات أخرى، بقيمة بلغت نحو مليون ونصف دولار. كما شملت المشاريع: تركيب أنظمة طاقة شمسية، تعزيز آليات جمع النفايات، وتشكيل لجان تطوّعية على امتداد حوض الليطاني، بمشاركة عناصر من المجتمع المدني والدفاع المدني.

وتطرّق شحادة أيضًا إلى العلاقة بين الاتحاد والبلديات، نافياً وجود تداخل إشكالي بين صلاحيات الطرفين، ومؤكدًا أن القانون يُحدّد بوضوح نطاق عمل كل جهة. فعلى سبيل المثال، لا يحقّ للاتحاد تحصيل رسوم مباشرة من المواطنين، بل تنحصر مهمته في تنفيذ مشاريع ذات طابع جماعي تستفيد منها كافة البلدات المنضوية فيه.

من جهة أخرى، تحدّث شحادة عن دور الاتحاد الرعائي قبل الأزمة المالية، حيث كان يقدّم دعمًا ملموسًا للجامعات الرسمية في بعلبك، ولمرافق حكومية كمخافر الشرطة والمدارس الرسمية. غير أن الضائقة الاقتصادية حالت دون استمرار هذا الدور، وجعلت من الصعب على الاتحاد تلبية كل الحاجات كما في السابق.

وفي ختام اللقاء، شدّد شحادة على ضرورة تطوير دور الاتحادات البلدية، خاصةً في ضوء العهد البلدي الجديد الذي يتطلّب رؤية تنموية متجدّدة ومواكِبة للواقع. ودعا إلى إقرار القوانين المقترحة في مجلس النواب لتوسيع صلاحيات الاتحادات ضمن مسار اللامركزية الإدارية، ما يُعزّز قدرتها على المبادرة والتخطيط والتنفيذ. كما أشار إلى أهمية التنسيق بين الوزارات والاتحادات البلدية، بحيث تتكامل الخطط بدلًا من أن تتعارض، ويُعاد بناء هيكلية تواصل فعّالة تتولّى فيها السلطة المركزية دورًا توجيهيًا يراعي خصوصيات العمل البلدي ويواكب حاجاته التنموية.