لطيفة الحسيني
في تموز 2022، وُلد قانون الشراء العام. رسميًا، أصبح ساري المفعول والغاية تنظيم إنفاق المال العام وإدخال القطاع الخاص في العملية وإلغاء المحسوبيات. عنوان الجهد الذي بُذل في مجلس النواب منذ عام 2020، تاريخ تقديم الاقتراح من قبل النائبيْن ياسين جابر وميشال موسى، يصبّ في خانة تعزيز الشفافية والنزاهة والمساءلة واستعادة ثقة المجتمع الدولي بلبنان.
في الشكل، هو مسارٌ طبيعي لأيّ قانون في لبنان، إلّا أن العبرة دائمًا في التنفيذ الصحيح بما يخدم المواطن والمرافق العامة التي تقع على تماس مباشر مع الناس. بعد أكثر من 9 أشهر على انطلاق التطبيق العملاتي للقانون، لم يُكتب لعجلة الإصلاح المنشود الوصول الى وُجهتها الصحيحة، مع تعليق المجلس الدستوري مفاعليه الى حين البتّ بالمراجعة بحجة أنه أُقرّ في ظلّ غياب رئيس الجمهورية ما يُعتبر فاقدًا لحلقة دستورية أساسية في آلية التشريع.
قبل التعليق، خضع القانون لبعض التعديلات (المقدمة ضمن اقتراح من النواب جهاد الصمد وآلان عون وعلي حسن خليل حول المادة 11 - وضع خطط الشراء) في نيسان 2022، تلحظ مسألة ضبط عملية تأليف لجان التلزيم والاستلام من أصحاب الاختصاص والحؤول دون الوقوع في تضارب مصالح. القانون اليوم في عُهدة المجلس الدستوري، لكنّ إقراره للمرة الأولى في لبنان ووضعه على السكة التشريعية على الرغم من المُراجعات والمُلاحظات التي طالته، يُعتبر خطوةً على طريق الإصلاح، فماذا يقول رئيس هيئة الشراء العام الدكتور جان العلية عنه وكيف يُقاربه من موقعه التخصّصي؟
يرى العلية أنه "من المبكّر الحكم على مردودية قانون الشراء العام جراء الوضع الراهن، فهو أفضل ممّا كان سائدًا غير أنه بحاجة الى تنقية من بعض الشوائب". القانون بحسب العلية، إصلاحيّ ويُشكّل تطورًا إيجابيًا، لكنّه مرهون للظروف الاقتصادية وإرادة تطبيقه. الوضع الذي يحكم عمل البلديات والمؤسّسات والمرافق العامة ليس عاديًا، من هنا يُفصّل العلية العوائق التي تحول دون وصول القانون الى نتائجه المرجوّة، فيقول إن "قانون الشراء العام نصّ على آلية تشكيل لجان التلزيم والاستلام من موظّفين من الفئة الثالثة على الأقلّ في البلديات، إلّا أن بلديات لبنان حتى الكبرى منها تفتقر الى العدد الكافي لتشكيل هذه اللجان، فعلى سبيل المثال لجنة الاستلام تحتاج الى عضوية 3 أشخاص أصيلين و3 رديفين، وكذلك الحال بالنسبة للجنة التلزيم، ما يعني أن الرقم المطلوب على الأقلّ 12 موظّفًا، وهو الأمر الذي يستحيل توفّره في البلديات اليوم".
ويتابع "القانون ينصّ على إرسال هذه الأسماء الى هيئة الشراء العام لتنشرها بقوائم موحّدة ثمّ تُعرض على التفتيش المركزي وديوان المحاسبة والهيئة العليا للتأديب، ما يعني أن هيئة الشراء العام عمليًا تصبح هي من تُعطي موافقة مسبقة على هذه اللجان وهذا الأمر يتعارض مع واقع البلديات كهيئات لامركزية وواقع هيئة الشراء العام كهيئة رقابية إشرافية التي بإمكانها التأكد من مؤهلات أعضاء لجنة الاستلام أو التلزيم وليس أكثر، وبناء عليه يمكن الاستنتاج أن القانون المذكور لم يكن موفّقًا لناحية أن تتحوّل هيئة الشراء لمستودع أسماء لأعضاء لجان التلزيم والاستلام".
أمام شبه استحالة تشكيل لجان التلزيم والاستلام بسبب ضعف الكادر البشري في البلديات، لا بدّ من تحرّك للمشرّعين لحلّ هذه المعضلة. يشرح العلية كيف حاول النواب إيجاد مخرج للمشكلة، فيوضح أن "لجنة الدفاع الوطني والبلديات النيابية برئاسة النائب جهاد عبد الصمد اقترحت نصًا أُدرج في نصّ موازنة 2022 تحت مسمّى المادة 119، تقضي بأن يتمّ الاستعانة بغير فئات اذا لم يتوفّر موظفون من الفئة الثالثة، واذا لم يتوفّر أيّ من الفئات، يتمّ الاستعانة من أعضاء المجلس البلدي، وهذا التعديل يعني العودة الى القوانين النافذة قبل إقرار قانون الشراء العام، وقد أثبت الواقع أن اللجان في القوانين السابقة تتلاءم أكثر مع البلديات وحجم العمل فيها".
ووفق ما يُبيّن العلية، هذا الحلّ خدم لشهريْن فقط، الى أن أُبطلت المادة ثمّ جاء التعميم الصادر عن رئاسة مجلس الوزراء البلديات واتحاداتها الذي نصّ على تطبيق الأنظمة التي كانت سائدة قبل قانون الشراء العام فيما خصّ لجان التلزيم والاستلام.
ثغرةٌ أخرى يتوقّف عندها العلية تضمّنها قانون الشراء العام: الشراء بموجب بيان. العملية مُتّبعة في البلديات ككلّ عامة والصغيرة خاصة، وهذه الآلية تُحدّد عمليات الشراء من الأماكن والمحال التجارية الغير مسجّلة في وزارة المالية أو العمليات الشرائية التي تحصل بشكل يومي.
وعليه، ألغى قانون الشراء العام الشراء بالبيان. تشريعٌ يعتبره العلية خطأً تقنيًا، حاول القانون تصحيحه عبر الاستعاضة بالشراء بالفاتورة، وهذه سبّبت مشكلة ثانية، فهذا يحتاج الى توفّر عرضيْن لكلّ عملية شرائية تقوم بها البلديات والمؤسّسات العامة، وهو الأمر الذي يستحيل تأمينه في البلديات الصغيرة على غرار تعبئة بنزين أو شراء أدوية لحشرات، لذلك أتت المادة 119 المُستحدثة وسمحت بالشراء بموجب بيان اذا تعذّر الحصول على فاتورة، وفي هذه الحالة يُكتفى بعرض وحيد.
الشرح المقدّم من العلية يعني أن تعميم رئيس الحكومة حلّ مشكلة الاستلام والتلزيم، بينما هيئة الشراء العام حلّت مشكلة العرض الوحيد بالفاتورة حلّتها عبر الشراء موجب مذكرة، يُكتفى حينها بعرض واحد بالفاتورة. وفي هذا السياق، يلفت العلية الى أنه على الرغم من إلغاء الشراء بالبيان إلّا أنه يُطبّق اليوم على الأرض، وهو ما يحتاج الى إطار قانوني يشرّعه منعًا لمخالفة القانون. هذه النقطة غير قابلة للتطبيق.
تفصيل قانون الشراء العام يُحيلنا الى السؤال عن طريقة الإنفاق الجارية اليوم في البلديات والمرافق العامة. العلية يشرح أن عمليات الشراء الآنية واليومية في البلديات بحسب قانون الشراء العام التي تبلغ قيمتها 100 مليون ليرة وأدنى تحتاج الى فاتورة، أما تلك التي تتراوح ما بين 100 مليون ومليار ليرة فيجب أن تستدرج عروضًا، بينما تحتاج كلّ العمليات التي تفوق قيمتها المليار ليرة الى إجراء مناقصة.
هذا التقسيم واضح في القانون، غير أن الواقع لا يسمح فعليًا بتطبيقه، خاصة أنه وضع للمرة الأولى كطرح في مجلس النواب عندما كان الدولار تقريبًا 15000 ليرة، واليوم اختلف السعر كليًا. لهذا يتحدّث العلية عن توجّه لدى هيئة الشراء العام لرفع توصية الى مجلس اللوزراء لتعديل هذه القيَم المالية حتى تتناسب مع الأحوال اليوم ممّا يساهم في تيسير أعمال البلديات التي تعمل على مبدأ السلف في الوقت الراهن، بالاحتكام الى التجزئة التي باتت ضرورة في هذه الظروف الاستثنائية.
الهدف الأساسي للقانون عنوانه الإصلاح والتحرّر من صفقات التراضي وسيطرة المحسوبيات، فهل فعلًا يتحقّق ذلك؟ العلية يُقرّ بأن القانون مع بداية تطبيقه (قبل إبطاله في المجلس الدستوري) ضبط الى حدّ كبير الاتفاقيات الرضائية وسمح بإجراء مناقصات، إلّا أن الوضع الاقتصادي الحالي لا زال يُرخي بظلاله على كلّ هذه العمليات وخصوصًا في المناقصات التي تفتقد الى تعدّد العارضين جراء تسعير كلّ شيء بالليرة اللبنانية. اذًا يخلص العلية الى أن قانون الشراء العام خطوة إصلاحية تحتاج الى مزيد من الوقت والاستقرار الاقتصادي حتى يأخذ حقّه ويُنفّذ كما هو مرسوم له.
تاريخ النشر:2023-07-18