رغم اشتداد الأزمة الاقتصادية على البلديات واتحاداتها منذ بداية العام 2020، وتخلّف الحكومات المتعاقبة عن دفع مستحقاتهما من الصندوق البلدي المستقل، تميّز اتحاد بلديات جبل الريحان بمواصلة عمله، معتمدًا على الجهات المانحة و"الأيادي البيضاء"، محققًا الإنجازات.
عشرات المشاريع افتتحها الاتحاد الجنوبي المؤلف من بلدات الريحان والعيشية وعرمتي وسجد واللويزة ومليخ والجرمق، والذي يشرف على بلدتيّ القطراني والسريرة لعدم وجود بلديات فيهما. ومن مركزه في بلدة الريحان، فعّل الاتحاد كامل طاقته في الميدان الصحي والتربوي والخدماتي. موقع جمعية العمل البلدي، التقى برئيس الاتحاد باسم شرف الدين وعرض معه إنجازات المجلس الحالي، وكيف نجح في تنفيذ مشاريع مهمة ومتابعة مشاريع أخرى رغم الأزمة الحادة.
الملف الصحي
يفتقد نطاق اتحاد بلديات جبل الريحان، الذي يسكنه 20 ألف مواطن صيفًا وما يزيد عن 5 آلاف شتاءً، لأي صرح صحيّ. لا خدمة طوارئ ولا معاينات ولا حتى صيدلية شبه مجانية. وجد الاتحاد ضرورةً لإقامة مركز يخدم مئات العائلات، ويوفر عليهم مشقة الانتقال إلى قرى إقليم التفاح أو النبطية، خاصةً خلال الشتاء البارد وخروج عشرات الطرقات عن الخدمة خلال العواصف.
في ايار من العام الماضي، أعلن اتحاد بلديات جبل الريحان عن افتتاح أول مركز صحيّ بالمنطقة، وأطلق عليه اسم "مستوصف جبل الريحان الصحي". بلدية الريحان قدمت طابقًا في مبناها، تسهيلاً لافتتاح المركز، فيما تولى الاتحاد عملية الترميم والتجهيز الأول بمبلغ قيمته 20 ألف دولار، جمعها من خارج صندوقه، معتمدًا على مساعدات أهل الخير في بلدات جبل الريحان.
جمعية العمل البلدي في منطقة الريحان، وبالتعاون مع وزارة الصحة قدمت مساعدتها أيضًا. 20 ألف دولار آخرى قدمت من الجهتين، شملت تجهيزات طبية ولوجستية، استكمالًا لتجهيز المبنى. الهيئة الصحية الإسلامية بدورها، وضعت اللمسات الأخيرة على عملية التجهيز، ودفعت ما يقارب 25 ألف دولار، لتستلم بعده مهام التشغيل، معتمدةً على طاقم طبي متخصص.
يقول رئيس الاتحاد باسم شرف الدين إن خدمات المستوصف المتنوعة سهلت على المواطنين في الريحان مشقة الانتقال. فهو فضلاً عن تأمينه معاينات أسبوعية بكافة الاختصاصات، والصيدلية شبه المجانية، يقدم خدمة الطوارئ 24/24. ويشير في حديثه لموقعنا إلى أن أعداد المستفيدين من المركز خلال الأشهر الستة الأخيرة من العام الماضي وصلت إلى 3000 مستفيد من الصيدلية و600 معاينة اطباء، بالإضافة إلى مستفيدين آخرين من ورشات ودورات وحملات صحية وثقافية يقيمها المركز بشكل دوري.
للإتحاد ايضاً انجازات صحية اخرى، فخلال فترة كورونا، عملت خلية الازمة على ضبط اي عملية انتشار للوباء. فشكلت لجان صحية في القرى تشرف على عملية تطبيق الاجراءات الوقائية، فضلاً عن اقامة حملات للتلقيح بالتعاون مع الهيئة الصحية ووزارة الصحة والجمعيات، ما أسهم في ضبط الجائحة والتخفيف من آثارها.
وقد عزز الاتحاد الفريق الصحي العامل لديه بآلية سيارة اسعاف، حصل عليها كهبة من أحد الخيرين ببلدة الريحان. وتعمل الآلية في نقل المصابين الى المستفيات ومنها، وهي مجهزة بعدة الاسعافات الاولية في حال الحوادث.
وفي الملف الصحي ايضاً، عزز اتحاد بلديات جبل الريحان من مهام فرق سلامة الغذاء في مراقبة جودة المنتجات الصحية. وتسعى الفرق بمعاونة الاتحاد على مراقبة ومتابعة المطاعم ومحلات بيع وانتاج كافة اصناف الغذاء بما يضمن سلامة صحة الأهالي ويقدم أفضل جودة للمنتج.
الملف التربوي
بعد الصحة، يتربع الملف التربوي على رأس قائمة حاجات الناس في القرى اللبنانية. فأزمة وجود مدارس قريبة من أماكن السكن، وتكلفة انتقال الطلاب، تشكل معضلة كبيرة طالما شغلت البلديات واتحاداتها. في منطقة جبل الريحان، أُغلقت عدة مدارس بسبب تقاعد الأساتذة وانخفاض أعداد الطلاب، مما أدى إلى خطر وجود أزمة حقيقية مع بقاء مدرسة واحدة في الخدمة.
عزم اتحاد بلديات جبل الريحان على التدخل لحل المشكلة التربوية، فاتجه إلى مدرسة "متوسطة الريحان الرسمية" واجتمع بالمديرة. خلال المباحثات، اكتشف الاتحاد أن نظام التعليم فيها يدرس اللغة الفرنسية، مما يجعل الأهالي يترددون عن تسجيل أطفالهم بها ويتكلفون بنقلهم إلى مدارس أخرى. اتفق الاتحاد مع المدرسة على إدخال المنهج الإنجليزي في التعليم، ووقوفه إلى جانب الإدارة في تأمين كادر تعليمي وتربوي متخصص.
بدأ الاتحاد اعماله بالسعي لترميم كامل لمبنى المدرسة عبر مجلس الجنوب. بعد إتمام المجلس كافة اعمال الترميم تم التواصل مع وزارة التربية لتأمين كادر تعليمي باللغة الإنجليزية بالتنسيق مع التعبئة التربوية في المنطقة. يقول شرف الدين إن الاتحاد أطلق حملة ترويج لمشروعه التربوي، وبدأ الأهالي يسجلون أطفالهم. بعد 7 سنوات من العمل، ارتفع عدد الطلاب 8 أضعاف، وعادت ثقة الأهالي بمدرستهم.
في عام 2023، سعى الاتحاد مع جمعيات مانحة، عبر وزارة التربية، لإعادة ترميم المدرسة ودمج نظام الطاقة الشمسية في خدمتها. إذ تعاني منطقة الريحان، التي تستفيد من 20 ساعة كهرباء يوميًا من معمل عبد العال الكهرمائي، من انقطاع الكهرباء لأيام نتيجة الأعطال خلال العواصف. وللحفاظ على أعلى مستوى من الخدمة، خاصة في تشغيل التدفئة، قام الاتحاد بتجهيز "متوسطة الريحان الرسمية" بمولد كهرباء خاص وخط اشتراك للكهرباء، فضلاً عن مشروع الطاقة.
الملف البيئي
بعد التطرق في الملفين الأولين الصحي والتربوي إلى أبرز إنجازات اتحاد بلديات جبل الريحان في دورته الأخيرة، يفتح موقع جمعية العمل البلدي الملف البيئي. مع المعلوم أن اتحاد البلديات لا يمتلك أرضًا لإقامة أي مشروع، فإن مهمته تقتضي تحسين وتطوير خدمات البلديات وفتح خطوط التواصل والتعاون بينها لإقامة مشاريع مشتركة.
يعتبر رئيس الاتحاد باسم شرف الدين أن أبرز إنجازات المجلس الحالي هو وقف ومنع جميع أعمال المرامل في جبل الريحان، الذي أعلنته منظمة الأمم المتحدة "اليونسكو" محمية طبيعية في عام 2007. فتحت غطاء "تأهيل الأرض"، قضمت الكسارات والمرامل طبيعة الجبل الخلابة، وأضرت كثيرًا بجمالية المنطقة وجعلت من طرقاته خطرة بعدما كانت متنفسًا للعابرين وسط أحراش الصنوبر والشجر الجبلي.
من أعمال الاتحاد أيضًا استكمال مشروع تشجير مداخل الاتحاد وطرقاته، خاصةً من جهة الجنوب (منطقة الخردلي). قام الاتحاد قبل سنوات بزراعة آلاف الأشجار ومنها الصنوبر، بهدف الاستفادة من محصولها البلديات خلال الفترة المقبلة. وبالإضافة إلى الزراعة، اهتم عمال الاتحاد بالشجيرات القائمة، حفاظًا عليها وتسريعًا في نموها، مما أثمر عن تغيير معالم الطرقات خلال سنوات قليلة.
كما سعى الاتحاد ضمن خطته البيئية إلى توزيع أشجار الفاكهة المناسبة لطبيعة المنطقة من تين وجوز وغيرها بأسعار شبه رمزية، تشجيعًا على الزراعة ودعمًا للأهالي في إنتاج المونة المنزلية. وفي هذا السياق، تعاون الاتحاد مع جمعية جهاد البناء في تفعيل مشروع "الحاكورة" بما يضمن لمئات العائلات حاجياتها الأساسية من الخضار من حدائق منازلها.
ودعمًا لجمالية المنطقة وحفاظًا على طبيعتها الخلابة، كان اتحاد بلديات جبل الريحان أول من نظم مسيرات راجلة (hiking) ضمن مسارات بيئية. ساهمت هذه النشاطات في تعريف الأهلي وقرى الجوار على طبيعتها ومعالمها المميزة، وخلقت جوًا بيئيًا ثقافيًا مهمًا أنعش الحركة السياحية إلى المنطقة.
السلامة المرورية
رافقت خطة الاتحاد في عملية التشجير، سلسلة إجراءات لصيانة الطرقات بصورة دورية، بما يضمن السلامة المرورية. طوال الفترة الماضية، سعى اتحاد بلديات الريحان لمعالجة تصدعات الطرقات وتدعيم جوانبها، وتعبيد الحفر. وللحفاظ على السلامة المرورية، وتجميلًا للطرقات، أنهى الاتحاد مؤخرًا مشروع تركيب لمبات إنارة على كامل مداخل وطرقات الاتحاد، تحديدًا الأساسية منها.
وإضافة إلى ذلك، قام الاتحاد بوضع الإشارات الضوئية والفسفورية، لتسهيل حركة السير وتنبيه من المنعطفات الخطرة. المار بسيارته على طرقات جبل الريحان يلاحظ سهولة كثرة الإشارات، مما ينعكس تنظيمًا لمرور الآليات وتخفيفًا من الحوادث المرورية. وأبقى الاتحاد عددًا من آلياته الصغيرة (بوب كات) والكبيرة (رفش وبوكلانات) في حال جهوزية دائمة لفتح أي طريق من انجرافات التربة، خاصةً في فصل الشتاء.
وتأمينًا للطرقات والسلامة المرورية عليها، يضع الاتحاد ضمن خطته السنوية فرقًا مكلفة برفع الثلوج وتأمين الطرقات لتبقى سالكة. فمنطقة الريحان تعتبر خط وصلٍ أساسيًا بين البقاع الغربي وقرى الجنوب، وطرقاتها تشكل ممرًا مهمًا لربط المحافظات ببعضها. لذا، ابقى الاتحاد عددًا من الآليات بشكل دائم خدمةً للأهالي في فتح أي طريق تعيقه الثلوج، ونجدة أي سيارة تعيقها الجليد.
تعزيز تجهيزات فوج الاطفاء
لم يغفل اتحاد بلديات جبل الريحان عن تعزيز الأقسام والفرق العاملة لديه. كان تطوير معدات فرق الصيانة وفوج الأطفاء وغيرها من الجهات العاملة على الأرض هدفًا للاتحاد، رغم كل الأزمات المالية. بالإضافة إلى 3 آليات خاصة به، وضع اتحاد بلديات جبل الريحان آلية إطفاء لبلدية عرمتى وآلية أخرى لبلدية الريحان في تصرف كامل أبناء المنطقة.
يشير شرف الدين في حديثه لموقع جمعية العمل البلدي، إلى أن فوج إطفاء الريحان تصدى بنجاح لكل المهام التي أوكلت إليه. كذلك لبى نداءات استغاثة خارج نطاق الاتحاد مما عزز دوره والعلاقة مع أفواج الإطفاء بجزين وقرى الجنوب. وضمن خطة لجنة طوارئ الإطفاء في محافظة النبطية، وسّع فوج الإطفاء مهامه وقدراته، بناءً على علاقة قوية ساهمت في تعزيز خبراته وتسهيل الاستعانة بآليات من مناطق أخرى.
ولأن عمل الإطفاء جماعي ويحتاج الى جهود مشتركة، أسهم الاتحاد في دعم مراكز الدفاع المدني الموجودة ضمن نطاقه. فأوثق معه العلاقات والتواصل، ومدّهم بالدعم. كذلك رمم الاتحاد بترميم آلية إطفاء كبرى لاستخدامها في الحرائق الخطرة والممتدة، ووضعها قيد الجهوزية. ويواصل اتحاد بلديات جبل الريحان إشرافه على صيانة الآليات بشكل دائم، خاصةً بعد عودتها من المهام، مما ساهم في منع وقوع مشاكل تقنية خلال عمليات الإطفاء.
هذا وساهم اتحاد بلديات الريحان في تأمين سيارة إطفاء خاصة ببلدة القطراني. فبعد حصوله على الآلية مقدمة كهبة من جمعية العمل البلدي، قام الاتحاد بصيانة الآلية وجهزها بكامل المعدات المطلوبة عبر دعم من أحد الخيريين.
يثني شرف الدين في حديثه لموقع جمعية العمل البلدي على دور عناصر الإطفاء والإسعاف العاملين في الاتحاد، مشيرًا إلى أن معظمهم يعملون تطوعًا خدمةً للأهالي وحمايةً للمنطقة. ويضيف أن جهودهم الجبارة حمت أراضي الاتحاد من الحرائق وسهلت للأهالي الانتقال بين القرى رغم العواصف الثلجية.
رغم ذلك يمكن العمل
إن ما أنجزه اتحاد بلديات جبل الريحان خلال ولايته الحالية يعتبر إنجازًا مهمًا في ظل الأزمة التي تفضي بالبلديات إلى الإفلاس والتقصير في أداء المهام الموكلة إليها. "رغم ذلك يمكن العمل"، يؤكد رئيس الاتحاد باسم شرف الدين، ويضيف أن كل بلدية أو اتحاد قادر على الاستفادة من جمعية العمل البلدي والجهات المانحة، بالإضافة إلى بعض الموارد المتاحة عبر الوزارات، مذكراً بأهمية التعاون مع المتمولين والمتبرعين من أبناء البلدات.
ويشدد شرف الدين على أن انجازات الاتحاد ما حققت لولا تعاون من رؤساء البلديات، وان العمل الجماعي أفضل، وان نقل الخبرة والتجربة بين المجالس البلدية اثبت فعاليته العالية في رفع مستوى الخدمات. ويضيف أي بلدية أو اتحاد يمكنه الحصول على الدعم من الجهات المانحة والعمل على تحسين مستوى الخدمات وإتمام المشاريع.
ويؤكد شرف الدين أن دعم الأهالي يكون متاحًا دائمًا إذا كانوا واثقين بالعمل ويرون نتائجه الفاعلة في خدمة المجتمع. ونظرًا لعجز الدولة عن تسديد مستحقات البلديات والاتحادات، ولأن الأموال المتاحة من الصندوق البلدي المستقل لا تكفي لتلبية احتياجات البلدية، يدعو رئيس اتحاد بلديات جبل الريحان إلى التعاون البلدي الشامل ونقل للخبرات والتجارب. ويدعو إلى بدء تنفيذ مشاريع تحقق عوائدًا مالية على البلديات، مما يساهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي في التمويل، حتى وإن استدعت الحاجة حاليًا إلى دعم مؤقت من بعض البلديات والاتحادات الاخرى.
تاريخ النشر:2024-02-01