خاص موقع جمعية العمل البلدي
ببدلات رمادية وشارات فوسفورية، لم يهدأ آلاف المنظمين والمتطوعين ضمن فرق تخصصية عن العمل ليل نهار لرفع أضرار سببها قصف هنا، أو إنقاذ عالق بين الركام هناك. فضلاً عن مهام كثيرة من فتح الطرقات، وإطفاء الحرائق، ونقل المصابين، وخدمة الصامدين، ومؤازرة النازحين قسراً.
هم على طول الوطن، من تخوم القرى الحدودية إلى أقصى البقاع والهرمل. عناصرٌ لم يثنهم جهدٌ أو ملل، تعبٌ أو كلل، دافعهم العطاء، وأنسهم محبة الناس. النصر عندهم بالتوفيق إلى الخدمة، والشهادة بأن يموتوا وهم في الساح. الملتحق منهم بالعمل مغبوط من زملائه، والعائد منهم لمنزله بعد خدمة طويلة شاقة متلهف للعودة.
لا يأبهون بحرارة شمس أو لسعة النيران، لا يملون من قيادة آليتهم، وصوت الطائرات التجسسية يحوم فوقهم مهدداً بالاغتيال. طرقهم وعرة، وعملهم "المهمة الأصعب"، وثمار نجاحهم الإنقاذ والمساندة. هم جنود الله المجهولون في الإعلام، المعروفون عند الناس وربهم. يكفيهم من الأهل الشكر، فلا يطلبون مقابلاً أو أجراً.
يسارعون إلى الناس لخدمتهم ومواساتهم، يبكون لبكاء الناس حين يألمون، ويفرحون لفرح الناس حين يسعدون. وإذا انتهت الحرب، لم تهدأ أوزارها عندهم. فهم لم تفتر عزيمتهم، ولم تضعف همتهم منذ تأسسوا فرقاً. وكلما مضى عليهم زمنٌ من عزٍ زادت قدراتهم، وإذا اشتد عليهم وطيس الحرب زهت أنفسهم.
عملهم صلاح، وقولهم فعل. لا يتركون واجباً، ولا يتلكأون عن خدمة. تجدهم إلى جانب الأهالي وعند ارتقائهم بفعل همجية العدوان، يتناوبون على حمل نعوشهم شهداء للقاء السعداء. عددهم لا يُحصى، فكل واحدٍ منا، إذا اشتدت الحرب أو وضعت أوزارها، يرى نفسه واحداً منهم. هم ليسوا عدداً بل درراً، وليسوا أرقاماً بل حسنات.
وإن طال وصفهم، إلا أنه القليل مما ذكره المدير العام للدفاع المدني - الهيئة الصحية الإسلامية عدنان مقدم في لقاء خاص مع موقع جمعية العمل البلدي. فما يقوم به عناصر الدفاع المدني من جهد منذ سنة تقريباً يفوق الخيال والوصف، وإن كان حدّه التقدير الجزيل، إلا أن مقدمته بذكر ما أنجز وما يُنجز وما سيُنجز بعد انتهاء العدوان.
الحديث مع مقدم يطول عن دور الدفاع المدني منذ بداية العدوان الإسرائيلي على لبنان. فكل فرق الدفاع المدني من منظمين ومتطوعين لبّوا النداء منذ الساعات الأولى. ومع تواصل أيام العدوان وبدء حملة التهجير القسري للقرى الحدودية، كانت الفرق حاضرة بخدمة الناس.
حتى أن تعداد المتطوعين ارتفع منذ بداية العدوان، إذ تولى أعداد من شباب القرى الحدودية عمليات رفع الأنقاض وفتح الطرقات ونقل المساعدات للصامدين والنازحين، ليكونوا سنداً للمتطوعين الأساسيين في المراكز والبلديات.
ولأن للدفاع المدني هيكليات ضخمة إن كان لجهة العدد أو العتاد، سعت الإدارة العامة للدفاع المدني - الهيئة الصحية الإسلامية إلى توزيع المهام في كافة لبنان على مراكز أساسية. تؤدي هذه المراكز دوراً بارزاً في الحالات الكبرى لجهة الحرائق أو الكوارث، فضلاً عن كونها مهنيات للتدريب ونقاطاً استراتيجية للعتاد والعديد.
عن تلك المراكز ودورها، يفرد موقع جمعية العمل البلدي مهام كل مركز على حدة، ضمن سلسلة تقارير تنشر تباعاً. أما عن دور البلديات واتحادات البلديات مع الدفاع المدني، يشدد مقدم على أنها الركيزة الأساسية في العمل والتكامل الطبيعي للمركز.
يتحدث عن العمل المشترك، وأن عناصر الدفاع المدني ضمن البلديات هم الأقرب والأسرع وصولاً إلى مكان المهمة (حريق أو إنقاذ أو أي كارثة طبيعية). ولأن إنجاز المهمة سريعاً يخفف الخسائر والأعباء المادية، وضعت الإدارة العامة ضمن أهدافها الاستراتيجية انشاء مراكز للدفاع المدني ضمن كل بلدية - حسب الإمكانيات والظروف.
قوام الخطة أن يؤمن الدفاع المدني بالتعاون مع البلديات والاتحادات العنصر البشري القابل للتدريب والتأهيل. بعدها يستكمل العمل بتأمين الآليات وصيانة ما هو موجود، إما عبر الدفاع المدني أو عبر الجهات المانحة ومؤخراً عبر المتمولين وأصحاب الخير من أبناء القرى والبلدات.
بهذا الهدف الاستراتيجي، بدأ العمل قبل سنوات، وهو ما يحصد نتائجه إيجاباً اليوم. فعند كل غارة أو حريق تحضر أولاً الآليات والعناصر الاقرب الموجودون ضمن نطاق البلدة. تباعاً تصل الآليات القريبة لتكون على استعداد، وفي حال كبرت المهمة (تمدد الحريق أو احتاج إلى آليات مخصصة) تصل آليات الاتحادات والمراكز. بهذه الخطة المتكاملة نجح الدفاع المدني - الهيئة الصحية الإسلامية بإطفاء كمّ من الحرائق دون كلفة النقل الكبيرة للآليات من المركز إلى المهمة.
بالمقابل عززت خطة الدفاع المدني دور البلديات بأن تطور من عديدها وتؤمن آلياتها. فبعض البلديات والاتحادات، بعد تأمين سيارة إسعاف أولاً، قامت بتأمين آليات إطفاء تليها آليات إنقاذ. التكامل الحاصل في البلدية بين العديد والعتاد، رافقه مواكبة مستمرة من إدارة الدفاع المدني للتأهيل والتدريب وتقديم التجهيزات اللازمة.
لا يرغب المدير العام للدفاع المدني - الهيئة الصحية الإسلامية عدنان مقدم، المتصدي للمهمة الصعبة منذ سنوات طوال، بأن يرتبط تطور الهيكليات وتوسع المهام وزيادة أعداد الآليات بشخصه الكريم. يفضل ألا يُقال أن الحاج مقدم هو من جعل من الدفاع المدني فرقاً طبية تخصصية تعمل الى جانب الصامدين من الاهالي، بل ان كل الجهود التي حصلت بفضل العناصر العاملة على الأرض في أصعب الظروف.
يصف عناصر فرق الدفاع المدني بأنهم طاقة متحركة لا تهدأ ولا تنضب، وكل التطور والتقدم هو بسببهم، لأنهم أثبتوا أمام الجميع أنهم شجعان وأهل نخوة ولأجلهم يستحق أن تتوفر كل الإمكانيات التي تخدم العمل. يرى نفسه واحداً منهم، ويعتز بذلك، ويقول إن مهمة الشباب تمتد على كامل مساحة الوطن، وفي الجنوب من الناقورة حتى منطقة كفرشوبا - شبعا، ويحضرون بإمكانيات عالية وباختصاصاتهم المُتعدّدة، ولولا التحضيرات المُسبقة التي قمنا بها في السنوات الماضية، لما تمكنّا من النجاح في هذا الملفّ بدرجة 100%.
يأسف عدنان مقدم لما يقوم به العدو الإسرائيلي من خرق لكل القواعد والمعاهدات واستهداف آليات وعناصر الدفاع المدني. رغم ذلك، لم تقف إدارة الدفاع المدني مكتوفة، فرفعت الصوت وتواصلت مع الجهات الدولية، ومنها منظمة العفو الدولية، وقدمت أدلة حول تعمد الاستهداف واستخدام العدو الفوسفور الأبيض في قصفه للقرى اللبنانية.
في ختام لقاء طويل، ينشر منه القسم المتعلق بالمراكز في المناطق تباعاً على الموقع، يثني المدير العام للدفاع المدني - الهيئة الصحية الإسلامية عدنان مقدم على جهود جميع الفرق العاملة في الجنوب من كشافة الرسالة إلى الصليب الأحمر إلى الدفاع المدني - وزارة الداخلية. يحثهم على تواصل تكاتف الجهود لخدمة أسرع وأأمن، خاصة بما يخدم الصامدين من الجنوبيين والنازحين قسراً.
لا يربط مقدم بين انتهاء العدوان وانتهاء المهام. فكل الفرق العاملة تعلم جيداً أن لحظة وقف إطلاق النار يبدأ العمل بخطة فتح الطرقات ورفع الأنقاض ومؤازرة العائدين إلى القرى. المهمة التالية يؤكد مقدم أن الدفاع المدني أعدّ لها جيداً، وهو مستعد لتنفيذها على أكمل وجه. يعرب المدير العام للدفاع المدني - الهيئة الصحية الإسلامية عدنان مقدم عن شكره لكل من تطوع خلال الفترة الأخيرة ولو للمساعدة بمهام محددة، ويؤكد أهمية التكاتف الجماعي لتطوير خطط العمل وتحسين الآليات وتأمين المستلزمات لفرق الدفاع المدني في المناطق والبلديات والاتحادات.
تاريخ النشر:2024-09-09