
خاص موقع جمعية العمل البلدي - نادين عباس
في عالم يتسارع فيه التحوّل التكنولوجي، أصبح من الضروري أن تتبنى البلديات التحوّل الإلكتروني لمواكبة التقدم، خاصة في ظل وجود الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتطورة. نجاح البلدية في تقديم الخدمات أثناء الحرب يعكس أهمية التخطيط المسبق، القيادة الفعّالة، والعمل الجماعي المدعوم بالتكنولوجيا.
لتحقيق استمرارية الخدمات في أي ظرف، يجب أن تكون هناك خطط طوارئ جاهزة وفريق عمل مدرب على إدارة الأزمات. ذلك يتطلب اعتماد استراتيجية شاملة ومرنة، مبنية على التكنولوجيا الحديثة، والقيادة الحكيمة.
مع دخول لبنان في جبهة الإسناد، بادرت بلدية عيناثا إلى تنفيذ خطة طوارئ شاملة لضمان حماية البيانات الأساسية واستمرارية العمل الإداري.
محررة البلديّة ومسؤولة الأرشفة في بلدية عيناثا فاطمة حمود، أشارت إلى أنه في الأوّل من جبهة الإسناد، ومع حلول المساء، بدأت عملية إخلاء البلدية. شملت هذه العملية سحب كافة البيانات والمستندات الهامة التي لا يمكن الاستغناء عنها. مثل أصول البلدية، قرارات البلدية، المحاضر، التعاميم،الإعلانات وغيرها من الوثائق المهمة.
حيث تم نسخ هذه الوثائق على عدة أقراص خارجية (External Hard Disks) وشملت أرشيف البلدية الكامل منذ العام 1963 وحتى آخر يوم عمل قبل الحرب، بالإضافة إلى إعتماد أنطمة تخزين سحابية(Cloud system) لضمان الحفاظ على المعلومات الضرورية.
خطّة طوارئ مسبقة
أعدّت عيناتا خطّة طوارئ مسبقة للعمل بشكل منظّم، وإدارة الأزمات بطريقة ممكننة، للتعامل المرن مع أي سيناريو قد يطرئ بما في ذلك الحروب. وقالت حمود في حديث لموقع جمعية العمل البلدي، إنه كخطوة أولى تم الانتقال السريع إلى العمل عن بُعد لضمانة سلامة العاملين.
وشدّدت حمود على ان نظام العمل عن بُعد ليس جديدًا على البلدية، حيث اعتادت على هذا النمط في مختلف المجالات مثل إدارة النفايات والشؤون المالية حتى في فترة كورونا. هذه الخبرات السابقة ساعدت في مواجهة تحديات الحرب، مما جعل العمل البلدي أكثر مرونة وقدرة على التعامل مع الأزمات.
وأشارت محررة البلدية ومسؤولة الأرشفة في بلدية عيناثا إلى أن العمل عن بعد لم يكن يتطلب سوى أجهزة لابتوب وتحميل كافة البرامج الأساسية عليها. هذه البرامج تضمنت جميع البيانات المتعلقة بأصول البلدية، قراراتها، محاضرها، تعاميمها، إعلاناتها، وسائر المستندات الضرورية التي تمر عبر البلديات. كذلك، تم تجهيز فريق العمل بمعدات أساسية كطابعة وماسحة ضوئية(scanner)، مما أتاح لهم إنجاز المعاملات من منازلهم.
بالإضافة إلى ذلك، تم التدريب المسبق لفرق العمل على سيناريوهات مختلفة من الأزمات لضمان الجاهزية الكاملة في الأوقات الحرجة. وقالت: "إن البلدية حرصت على تمام جهوريّتها مسبقًا من خلال عقد ورش عمل دورية لتعليم الموظفين كيفية التعامل مع الأدوات الرقمية وبرامج الأرشفة هو أمر أساسي ومهم لإدخال مفهوم "إدارة المخاطر" كجزء من الثقافة الإدارية".
وأضافت حمود أن خطة الطوارئ تضمّنت آليات محددة للحفاظ أيضًا على استمرارية الخدمات الضرورية مثل إمدادات المياه والكهرباء،النظافة العامة، والخدمات الطبية.
التواصل مع المواطنين خلال النزوح
رغم حركة النزوح الكبيرة التي شهدتها بلدة عيناثا، حرصت البلدية على أن تبقى على اتصال دائم مع المواطنين. حيث تم توفير رقم خاص للتواصل معهم على تطبيق الواتساب، وعبر والرسائل القصيرة SMS والبريد الإلكتروني.
استمرت البلدية في استقبال الطلبات وإنجاز المعاملات إلكترونيًا. إلى جانب ذلك، أُطلقت خدمة توصيل المعاملات الضرورية إلى أماكن النزوح، مما خفف العبء عن المواطنين في هذه الظروف الصعبة.
الطلبات المستمرة في خضمّ الحرب
وفي هذا السياق اشارت حمود الى أنه رغم الظروف الصعبة التي فرضتها الحرب، ظل هناك طلب مستمر للمعاملات من المواطنين. إذ أصدرت البلدية رخص بناء لأشخاص يحتاجون إلى أوراق رسمية لمتابعة مشروعاتهم. كان هناك أيضًا أشخاص يريدون السفر ويحتاجون إلى مستندات من البلدية لإتمام إجراءاتهم. موازنات البلدية، الحسابات القطعية الإدارية، الترحيل على السجلات، كل هذه الملفات كانت حاضرة ومؤرشفة رقميًا، مما سمح للبلدية باستمرار عملها دون انقطاع. ولم يكن هناك أي تراجع في تلبية متطلبات المواطنين.
الاستجابة الطارئة ومساعدة النازحين
خلال فترة الـ66 يومًا، أثبتت بلدية عيناثا قدرتها على إدارة ملف النزوح والتعامل مع احتياجات النازحين. فعملت البلدية بالتعاون مع المجتمع المحلّي والفعاليّات وأبناء البلدة المقيمين والمغتربين بإحتضان خليّة الأزمة، وتم جمع تبرّعات بقيمة 250$ ألف دولار. وقامت البلديّة بتحويلها عبر "Wish Money" لكل النازحين الذين خرجوا من البلدة. كما تم التواصل المستمر معهم للاطمئنان عليهم، وفي حال احتياجهم إلى مساعدة طبية، كانت البلدية في خدمتهم.
الالتزام بخطط إدارية ممنهجة
محررة البلدية ومسؤولة الأرشفة في بلدية عيناثا فاطمة حمود، أكّدت في حديثها لموقعنا أن البلدية، بفضل الخطط الممنهجة التي وضعتها منذ الأيام الأولى للأزمة، حرصت على استمرار تقديم خدماتها الأساسية رغم التحديات. حتى خلال حرب الـ66 يومًا، تمكنت البلدية من تزويد المشتركين بإشتراك الكهرباء إلى أن وقعت ضربة قريبة أدت إلى التوقف المؤقت.
كما استمرت في تأمين المازوت رغم موجات النزوح الكبيرة، إضافة إلى إنشاء مكب نفايات قريب ومؤقت لتجنب المخاطر المرتبطة بالمكب الأساسي البعيد، مما ساهم في الحفاظ على استمرارية الخدمات بشكل فعال.
الزراعة والأمن الغذائي في قلب الحرب
خطة عيناثا للأمن الغذائي كانت نموذجية، حيث لم تُشكّل الحرب عائقًا أمام الإستفادة من المحاصيل. حيث قامت البلدية بزراعة الحبوب وحصدها، وإنتاج البرغل الذي تم بيعه بأسعار مدروسة لأهالي الضيعة والبلدات المجاورة، مما أسهم في دعم الأمن الغذائي في المنطقة.
استمرار الجلسات البلدية رغم المخاطر
تُشير حمود في حديثها الى أن الحاجة الملحّة لجلسات البلدية كانت ضرورية لضمان متابعة الأمور الهامة، مثل تأمين المحروقات، صرف رواتب الموظفين، وأجور العمال. ولتحقيق ذلك، تم عقد جلسات شهرية في أماكن آمنة، إلى جانب لقاءات افتراضية عبر تطبيقات مثل "زووم" وواتساب. خلال هذه الجلسات، اتُخذت القرارات اللازمة بشأن حوالات الصرف وحجوزات الاعتماد، ما ساعد البلدية على تسيير أعمالها بكفاءة رغم التحديات.
دور الأرشفة الرقمية والإستفادة من التجارب السابقة
الأرشفة الرقمية كانت أحد الركائز الأساسية لنجاح العمل البلدي أثناء الحرب في بلدة عيناثا. توضح حمود أنه منذ تجربة حرب تموز، تعلمت البلدية أهمية حفظ البيانات إلكترونيًا بعد أن أتلفت العديد من الوثائق الورقية حينها. في الأزمة الأخيرة، ساهمت هذه الأرشفة في تسهيل إنجاز المعاملات، حيث أصبحت جميع الملفات متاحة بكبسة زر، مما وفر الوقت والجهد للمواطنين والموظفين على حد سواء.
إعادة الإعمار والأرشفة الرقميّة
اليوم، ومع بدء الحديث عن إعادة الإعمار، تؤكد محررة البلديّة ومسؤولة الأرشفة أن وجود نسخ رقمية من المستندات هو ما يخفف العبء على البلدية والمواطنين، خاصة لأولئك الذين فقدوا منازلهم ووثائقهم أثناء الحرب. الملفات المؤرشفة رقميًا تُتيح استعادة كافة المستندات اللازمة بسهولة، مما يساعد في تسريع عمليات إعادة الإعمار وتقديم الدعم للمواطنين.
تضيف حمود أن الأرشفة الرقمية تضمن حماية البيانات من خلال تخزينها في أنظمة آمنة وسحابية، مما يضمن استعادتها في أي وقت. وتشرح انه يلعب الأرشيف الرقمي دورًا مهمًا في تسهيل عملية إعادة الإعمار بعد الحرب. من خلال توفر البيانات المتعلقة بالبنية التحتية، العقارات، والمرافق، يمكن للسلطات والجهات المعنية استعادة المعلومات المتعلقة بالتخطيط العمراني، الخدمات العامة، والمشاريع السابقة.
وفي حديثها لموقعنا تقول: "الأرشفة الرقمية الإلكترونية لا تقتصر على حفظ المعلومات فحسب، بل تعد أداة حيوية لإدارة الأزمات وحماية البيانات، بالإضافة إلى ضمان الشفافية والمحاسبة، وتحسين استجابة الحكومات والمنظمات الإنسانية في مواجهة التحديات التي تطرأ أثناء الحروب".
دور القيادة في استمرارية العمل البلدي
وفي الحديث عن قيادة رئيس بلدية عيناثا تشير حمود الى أن رئيس البلدية كان يُعد قائدًا حكيمًا وداعمًا بكل معنى الكلمة، فإن موظفي البلدية كانوا يشعرون بالدعم الكامل. فقد كان دائمًا حريصًا على عدم تعريض أي موظف للخطر، ولم يطلب من أي موظف التواجد في مكان يشكل خطرًا عليه. هذه التفاصيل الصغيرة كانت تشكل دافعًا كبيرًا للموظفين للاستمرار في عملهم رغم التحديات وكانت تشكّل دعم معنوي كبير لهم.
اختتمت محررة البلدية ومسؤولة الارشفة حديثها لجمعية العمل البلدي برسالة واضحة: "ما أشدّد عليه هو التحوّل الإلكتروني الذي أصبح أساسيًا جدًا في هذا العالم، خاصة مع تطور الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الفعّالة. من الضروري أن تتماشى البلديات مع المكننة في أعلى مستوياتها لضمان استمرارية العمل بكفاءة في أي ظرف".
وأضافت: "كل هذه الجهود توضح كيف يمكن للبلدية أن تظل فعّالة في الأوقات الصعبة بفضل التحوّل الرقمي، القيادة الحكيمة، والتعاون بين الموظفين. لو لم تكن بلدية عيناتا تعتمد برامج إدارية، ومكننة إدارية عالية، وكان كل شيء ممكنن وموثّق كنا لنواجه صعوبة كبيرة".
تاريخ النشر:2025-01-16